طوال الأسبوع الماضي, شاهدنا نحن
المصريون – و شاهد العالم اجمع – مختلف مقاطع الفيديو, و الصور الفوتوغرافية
للمهازل التي ارتكبتها عصابات المجلس العسكري من انتهاكات تفوق قدرتى, أنا التي
ادعى قدرتى على الكتابة, في وصفها.
و لهذا لم أحاول التعليق على اى
فيديو أو صورة. و لكن أود أن أسجل موقفين:
الأول اننى لا أستطيع النوم بسبب
صرخات عزة هلال التي حاولت أن تحمى فتاة التحرير, فكان جزاءها منظر أراه كلما أغمض
عيناى, و كأنها تطاردني لسبب لا اعلمه حتى الآن.
و الثاني هو
فيديو
بداية
الاعتداء
على
الطبيبة
فريدة
الحصى
و
التي
حاول
الناشط
نور
ايمن
نور
الدفاع
عنها,
فما
كان
لهما
ألا
و
أن
تعرضا
لضرب
مبرح
أكثر
ضراوة.
لم
يلفت نظري في الفيديو العساكر و الضباط, ولا فريدة التي تعرضت لواحدة مما أظن أنها
أبشع تجارب حياتها, ولا لنور الذي أكن له كل الإحترام, و لكن لفت نظري رجل عجوز,
يبدو في عقده الخامس. نظر هذا الرجل إلى المنظر, ثم أدار وجهه, و استكمل سيره... و
كأن شيئا لم يكن!!
لا
ألوم هذا الرجل على عدم الاشتباك, فكبر سنه أوضح من هذا.
و
لكنى تألمت, بل و تأثرت, لانطباع وجهه و هو يديره عما يحدث من انتهاك سافر لحرمة الجسد,
و امتهان حقيقى لكرامة الإنسان.
مثل
هذا الرجل ليسوا بالقلة القليلة في مصرنا الحبيبة, خاصة في هذا الجيل.
لقد
كبرنا في بلاد تعتبر الدفاع عن حقوق الإنسان تدخلا سافرا في أمور الغير, سواء بشكل
شخصي في جار تحركه آهات جارته التي تتعرض لضرب زوجها كل ليلة, او بشكل اعم حين
تحاول منظمات حقوق الإنسان المحلية أو الدولية أن تباشر عملها في محاولة الحفاظ
على حقوق الإنسان.
قبل
بضعة أعوام, وقت احتدام الجدل عن التصدي لظاهرة التحرش الجنسي في الشارع المصري,
ظهر من كانوا يدافعون عن تجاهلهم بقولهم "وإحنا مالنا ما يمكن عاجبها"
و
مع بداية عملي في مناهضة العنف المنزلي واجهتني إشكالية كبيرة في أن العديدين
اعتبروا محاولاتي في مجرد الحديث عن هذا الأمر تدخل فيما لا يعنيني.
لقد
كبرنا في بلاد تحاول ترسيخ مبادئ الأنانية الاجتماعية. و بدا هذا واضحا في اعتبار
اى تظاهرة شعبية من اى فئة في المجتمع بال"فئوية". فالأقباط فئة للمسلمين,
و الأطباء فئة للمواطنين, و العمال فئة للمستهلكين.
يحاولون
أن يجبرونا للعيش بمبدأ "من ليس مثلنا فليس مننا" و "طالما مش عند
باب بيتي يبقى مش مشكلتي"
بل
و يلوم كل معتنق لهذه العقيدة المسمومة كل من لا يتصرف خلالها.
فتجد
من يلوم نور على حماية فريدة استنادا على "و انت تعرف منين هي مين ولا كانت
هناك بتعمل إيه" و كأن كونها إنسانا ليس وحده كافيا لأن تكون أهلا للكرامة.
كنت
بدأت قبل الأحداث الأخيرة, و بعدها بقليل, محاولة الحوار مع من يختلفون مع الثورة,
تحقيقا لمبدأ الحوار و تقبل الآخر.
لكن
بعد أن رأيت هذا الرجل, فقد تأكدت و لله الحمد أن من يلومنا على ما نحن فيه الآن
هم بالفعل أعداء سلامة هذا المجتمع.
فهم
من أعطوا الفرصة للمتحرشين أن يتطاولوا...
و
هم من أعطوا الرجال الحجة في إيذاء زوجاتهم, و أخواتهم, و بناتهم, بل و أمهاتهم في
بعض الأحيان...
و
هم من أتاحوا المجال للموظف المرتشي...
و
هم من أفسحوا كل الطريق لمرض الفساد المتفشي في مجتمعنا.
اليوم
تحددت أكثر الىّ معالم عدوى ... و أستطيع أن أقول... انه و لله الحمد ... الثورة
مستمرة