بالأمس, و أنا داخل عربة مترو الأنفاق, كنت مستمتعة جدا بموسيقى البيانو في اذناى, و اقرأ رواية فخر و إجحاف – كتابي المفضل – في إحدى اللحظات الجميلة التي اشتاق اليها.
و من حين لآخر ارفع عيناى لأمارس هوايتي في التقاط صور ذهنية للناس. فهي واقفة تمرق الموبايل تنتظر سماع صوته و تتساءل " هو نسيني ولا إيه النهاردة؟". و هو يتطلع إلى النافذة و يتفادى ساعة يده و يفكر فيمن تنتظره بالمنزل و يدعو "على الله ما تقلبهاش خناقة بقى ع التأخير". و هم يستمعون إلى موسيقى مزعجة جدا من الموبايل و يتبادلون نكات احمد الله أنى لا اسمعها, لتتلاقى عيناى مع احدهم فيعطيني نظرة الواثق بسماجة كان من الممكن احتمالها لولا أنى كنت في صحبة – مستر دارسى – فرجعت لقراءة كتابي بعد أن أرسلت له رسالة " النبي تتلهى"!
رجعت للقراءة و كنت في غاية اندماجي مع حوار جين اوستين العبقري, حتى بدأ طفل يبدو في السابعة من عمره يعكر علىّ صفو اللحظة. كان يصعد على الكراسي و يترنح على ما يثبت في سقف المترو ليمسك به الواقفين و يتدلى منه بوزنه كله – الغير خفيف – و أنا أحاول جاهدة تجاهل الأمر. حتى بدأ أخوه الأكبر – و الأثقل – فعل نفس الشيء!
لم استطع المقاومة
ذهبت إليهما بابتسامة موجهة حديثي للأخ الأكبر:
"ازيك؟ أنا إيمان"
اعطانى نظرة "دى مالها دى؟" دون اى كلام
"اسمك إيه؟"
"عبد الله"
"هو مش المترو ده بتاعنا كلنا؟"
نظر اليّ بابتسامة خفيفة و قال: "آه"
"طيب الحاجات دى عشان الكبار يمسكوا فيها, لما انتوا تتمرجحوا عليها حتبوظ " و أنا على نفس الابتسامة
ابتسم الاثنان إلىّ, و قال الأخ الأكبر: "حاضر"
.
.
.
عدت إلى الكرسي, و فتحت كتابي, فلم تمر لحظات حتى جاءني عبد الله بسؤال:
"هو حضرتك من الثوار؟"
ابتسمت ابتسامة واسعة و ضحكت و قلت له: "نعم؟"
"روحتي التحرير؟"
"آه" – والله بكل فخر – "و أنت؟"
"أنا كنت عايز انزل بس بابا خاف عليا و مارضاش" ثم لمعت عيناه و هو يقول "بس روحنا المليونية بعد كده"
ثم تركني أكمل كتابي, و لولا حرصي ألا أزعج الأب و الأم كنت استمررت في الحوار.
.
.
.
حتى جاء الأخ الأصغر:
"عارفة جارنا, كان عند الجامعة الأمريكية و ضربوا من فوقها رصاص" ... ثم سألنى : "كنتى فين وقتها؟"
"في شارع القصر العيني" ..." انت اسمك إيه؟"
"احمد"
" انتوا جابين بكرة؟"
"هو حضرتك رايحة بكرة؟"
"آه, بكرة في مليونية عشان بكرة عيد العمال إن شاء الله"
و ضحك و قال لى: "بس هى مش حتبوظ على فكرة لو لعبت فيها, دى بتستحمل"
"يا سلام؟" متحديا خبثه المرح
فضحك و جرى إلى والده
.
.
.
جاء مرة أخرى و معه قلم هذه المرة:
" ممكن تديني الفيسبوك بتاعك؟"
بعد ضحك كثير, قلت له:
"أنت عندك فيسبوك يا احمد؟"
مبتسما و سعيدا: "آه"
"طيب اكتب لك على إيه؟ معاك ورقة؟"
"لا عادى, ممكن على ايدى أو على البنطلون"
"بنطلون إيه يا احمد بس... استني"
قصصت من طرف الجريدة التي كانت في حقيبتي و كتبت له اسمي بالعربية و الانجليزية و أعطيته الورقة:
"أنت تكتب اسمي في جوجل, هيطلع لك الفيسبوك بتاعي و مدونتي و كله" ... "عارف جوجل؟"
"آه طبعا!!!"
"انت عندك كم سنة؟
"8"
نظرت له بكل فرحة و أمل
.
.
.
.
.
.
.
وصلنا للمحطة و سلمت عليهما و ذهبت, ثم استدرت الوراء: "ماتنسوش بكرة"
رد عبد الله "إن شاء الله" و هو رافع يده بعلامة النصر!
كم جميلة هي هذه الثورة
و كم فخورة أنا اننى ... من الثوار!
تمت
يادى الميدان اللى حضن الفكرة و صهرها
يادى الميدان اللى فتن الخلق وسحرها
16 comments:
رائعة...ابكتنى ...صباح البنفسج
جميلة جدًا !
honestly i got tears in my eyes reading! :)))))
رائعة بحق وتدعو للتفاؤل
صباح عيد عمال سعيد على كل المصريين
جميلة جدا
نفسي الناس ترجع تاني تحب بعض وتتكلم مع بعض
مش كله يكره كله وخلاص من غير أسباب
فعلا الثورة غيرت ولسة هتغير كتير
شكرا على القصة الرائعة
استاذ احمد: اشعر بكل الفخر من تعليق حضرتك
بجد مش عارفة اقول ايه
ربنا يخليك يا رب
:)
محمود: شكرا جدا
:)
ميكاااااااااا
متشكرة اوى يا حبيبتى
الحسينى: احلى حاجة التفاؤل
ربنا يحلى كل ايامنا يا رب
محمود:
كله ممكن يحصل بس الرك علينا والله
لو اخدت بالك, البداية كانت من عندى --- الابتسامة
بس كده
حلوة :))
محمد: شكرا :)
بصراحة رائعة القصة فى نهاية الموضوع , مبهجة لدرجة البكاء
بس وصفك للاشخاص وحالهم فى المترو وتحليلك لمضمون نظراتهم كان الاروع ,حسيت كأنى كنت واقف معاكم فى عربية المترو
شكرا يا هشام
المترو ده اصله متعة لوحده بس لو مش بالنهاؤ و الناس عرقانة
simply amazing
شكرا محمد حسن لكلامك اللطيف
هايلة بجد يا ايمان ..بسيطة وفى القلب على طول
شكرا ميدو
شكرا جدا
Post a Comment